حملة اعتقالات جديدة في كابول.. "طالبان" تواصل محو النساء من الفضاء العام

حملة اعتقالات جديدة في كابول.. "طالبان" تواصل محو النساء من الفضاء العام
عنصر امني تابع لحركة طالبان ومجموعة من النساء

مرة أخرى، تتصدّر كابول عناوين الأخبار، ليس بما يُبشر بالأمل، بل بخبرٍ مؤلم عن حملة اعتقالات طالت نساءً فقط لأنهن نساء، خطوةٌ جديدة من حركة طالبان تُعمّق عزل النساء الأفغانيات عن المجتمع، وتُقابَل بإدانة قوية من جماعات حقوق المرأة داخل أفغانستان وخارجها.

وبحسب بيان حركة صوت المرأة الأفغانية بقيادة الناشطة هادية صاحب زادة، المنشور الصادر اليوم الاثنين فإن هذه الاعتقالات التي جرت خلال الأسبوع الماضي في وسط وغرب كابول، شملت عشرات النساء، بعضهن اعتُقل من المنازل، وأخريات من أماكن عمل سرّية كصالونات التجميل، وجاء في البيان أن تعامل عناصر حركة طالبان كان عنيفًا، في مخالفة صريحة للكرامة الإنسانية، وانتهاكًا للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان.

الحركة أكدت أنه لا يحق لأي نظام أو جماعة أو حكومة تجريد نصف المجتمع من أبسط حقوقه بالقوة، معتبرةً أن ما يجري غير قانوني وغير إنساني، في وقتٍ يُستهدف فيه النساء تحديدًا على خلفية ملابسهن أو حتى الاشتباه في نيتهن المشاركة في احتجاجات سلمية.

استراتيجية إقصاء المرأة

في بيان منفصل، وصفت حركة المرأة الأفغانية في المنفى بقيادة الناشطة فرزانة رضائي هذه الحملة بأنها جزء من استراتيجية أوسع نطاقًا لإقصاء النساء عن الحياة العامة قبل حلول الذكرى الرابعة لعودة طالبان إلى السلطة في أغسطس المقبل.

وبحسب شهادات نقلتها الحركة عن مصادر محلية، جرت الاعتقالات دون أوامر قضائية أو إخطار العائلات، فيما لا يزال مصير كثير من المعتقلات مجهولًا، وحذرت الحركة من أن هذه السياسات تتجاوز كونها قرارات أمنية إلى كونها خطة متعمدة لمحو النساء من المشهد العام، في استمرارٍ لسلسلة طويلة من الإجراءات التقييدية.

ومنذ سيطرة طالبان على الحكم مجددًا في أغسطس 2021، فرضت الحركة قيودًا غير مسبوقة على النساء تضمنت، منعهن من العمل في معظم القطاعات، حرمانهن من التعليم الثانوي والجامعي، إغلاق النوادي الرياضية والمراكز الثقافية النسائية، وحظر السفر دون محرم، وجميعها إجراءات وثّقتها تقارير دولية اعتبرتها شكلًا من أشكال الفصل الجندري.

وبحسب تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش مطلع هذا العام، فقد تعرضت النساء في أفغانستان منذ 2021 لـ«انتهاكات منهجية»، تشمل الاعتقال التعسفي، العنف الجسدي والنفسي، والتضييق على الناشطات في ظل غياب تام لأي آليات للمحاسبة.

انتهاكات للاتفاقيات الدولية

الحملات الأخيرة -وفق بيان حركة المرأة الأفغانية في المنفى- تنتهك العديد من الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها أفغانستان سابقًا، أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

البيان شدد على أن طالبان تنتهك بشكل صارخ التزاماتها الدولية، مضيفًا أن هذه الممارسات جزء من حملة ممنهجة لإسكات النساء الأفغانيات ومحوهن.

وفي وجه هذا التصعيد، طالبت المجموعتان النسائيتان المجتمع الدولي -بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والحكومات الداعمة لحقوق الإنسان- باتخاذ إجراءات فورية وقابلة للتنفيذ وليس الاكتفاء بالتنديد.

شملت المطالب تشكيل بعثة دولية لتقصي الحقائق للتحقيق في الانتهاكات الأخيرة والاعتقالات التعسفية، وفرض عقوبات محددة على قادة طالبان المسؤولين عن هذه السياسات، إضافةً إلى وقف الدعم المالي الأجنبي لأي نظام ينتهك حقوق المرأة في أفغانستان.

صمت الرجال يزيد العزلة

تضمّن بيان حركة صوت المرأة الأفغانية دعوةً مباشرةً للرجال الأفغان إلى التخلي عن حالة الصمت السلبي والانضمام إلى النساء في معركة الدفاع عن الحقوق والحريات. فالصمت -بحسب الحركة- لا يخدم سوى استمرار هذه الانتهاكات، بينما التضامن المجتمعي كفيل بتقوية موقف النساء ومطالبهن بالحرية والمساواة.

ورغم صعوبة التوثيق بسبب التضييق الإعلامي الشديد، تسربت بعض القصص المفزعة من قلب كابول، ففي حي دشت برشي، داهمت قوات طالبان صالون تجميل سرّي يعمل لتأمين دخل بسيط لنساء فقدن وظائفهن، وأُلقي القبض على الموجودات بداخله، وأفادت مصادر محلية بأن النساء تم اقتيادهن إلى مراكز احتجاز دون تمكين عائلاتهن من التواصل معهن.

هذه الحوادث وغيرها تعبّر عن وجه مأساة يعيشها آلاف النساء في أفغانستان، حيث الخوف والرقابة الدائمة والحرمان من أبسط حقوق الحياة الكريمة.

محو النساء من الفضاء العام

اعتقال النساء في كابول لا يمكن فصله عن نهج طالبان الأشمل، إذ تعد تقارير أممية أن الحركة منذ عودتها للسلطة تتبنى سياسة ممنهجة لعزل النساء تمامًا، ويؤكد تقرير صدر عن بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) العام الماضي أن هذه السياسات تمثل أكثر الأوضاع قسوة ضد النساء والفتيات في العالم اليوم.

وفي أبريل الماضي، أفادت اليوناما باعتقال نساء وصحفيات وناشطات على خلفية تنظيم احتجاجات سلمية أو نشر محتوى ينتقد الحركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وبينما تُواصل طالبان حملتها ضد النساء، يزداد خوف الناشطات من أن يكتفي العالم بالتنديد دون ضغط حقيقي. فقد أظهرت السنوات الأخيرة أن بيانات الشجب وحدها لم توقف سياسات طالبان، بل ربما شجعتها على مزيد من التصلب.

اليوم، يُعيد صوت النساء الأفغانيات التأكيد: لا أحد يحق له محو نصف المجتمع، والوقت حان -كما تقول الناشطات- ليترجم العالم تعاطفه إلى فعل ملموس يدافع عن كرامة ملايين النساء اللاتي يواجهن خطر الاختفاء القسري من الحياة العامة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية